فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}.
العبثُ اللهو، واللَّعِبُ والاشتغالُ بما يُلْهِي عن الحقِّ، والله لم يأمر العبادَ بذلك، ولم يَدْعهُم إلى ذلك، ولم يندبهم إليه.
والعابثُ في فِعْلِهِ مَنْ فِعْلُه على غير حدِّ الاستقامة، ويكون هازلًا مُسْتَجْلِبًا بفعله أحكامَ اللهوِ إلى نَفْسه، متماديًا في سهوه، مستلِذَّ التفرقةِ في قصده، وكلُّ هذا من صفات ذوي البشرية، والحقُّ- سبحانه مُنَزّهُ النّعَت عن هذه الجملة، فلا هو يفعل شيءٍ عابث، ولا بشيء منَ العَبَثَ آمِرٌ.
{فَتعالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)}.
الحقُّ- بنعوت جلاله- متوحِّدٌ، وفي عز آزاله وعلوِّ أوصافه متفرِّدٌ، فذاتُه حقٌّ، وصفاته حقٌّ، وقولُه صِدْقٌ، ولا يتوجَّه لمخلوق عليه حقٌ، وما يفعلهم من إحسان بعباده فليس شيء منها بمستحق.
{لآَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الْكَرِيمِ}: ما تَجَمَّلَ بالعرشِ، ولكن تَعززَ العرشُ بأنَّهُ أضافه إلى نَفْسِه إضافة خصوصية.
والكريمُ الحَسْنُ، والكرمُ نَفْيُ الدناءة.
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)}.
حسابهُ على الله في آجِلِه. وعذابُه من الله له في عاجله، وهو الجهل الذي أودعَ قلبَه حتى رَضِيَ بأن يَعْبُدَ معه غيرَه. وقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] كلامٌ حاصلٌ من غير دليل عقل، ولا شهادة خبرٍ أو نقل، فما هو إلا إفك وبهتان، وقولٌ ليس يساعده برهان.
{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)}.
اغفرْ الذنوبَ، واسترْ العيوبَ، وأجْزِلْ الموهوب. وارحمْ حتى لا تستولي علينا هواجمُ التفرقة ونوازل الخطوب. والرحمةُ بالدعاء من صنوف النعمة، ويسمى الحاصل بالرحمة باسم الرحمة على وجه التوسع وحكم المجاز. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

وفي التأويلات النجمية: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} بلا معنى ينفعكم أو يضركم حتى عشتم كما يعيش البهائم فما تقربتم إلينا بالأعمال الصالحات للتقرب وحسبتم {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} باللطف والقهر.
فالرجوع باللطف بأن يموت بالموت الاختياري قبل الموت الاضطراري وهو بأن ترجعوا من أسفل سافلين الطبيعة على قدمي الشريعة والطريقة إلى أعلى عليين عالم الحقيقة.
والرجوع بالقهر بأن ترجعوا بعد الموت الاضطراري فتقادون إلى النار بسلاسل تعلقاتكم بشهوات الدنيا وزينتها وأغلال صفاتكم الذميمة.
وعن بهلول قال: كنت يومًا في بعض شوارع البصرة فإذا بصبيان يلعبون بالجوز واللوز وإذا أنا بصبي ينظر إليهم ويبكي فقلت: هذا صبي يتحسر على ما في أيدي الصبيان ولا شيء معه فيلعب به فقلت أي بني ما يبكيك أشتري لك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان فرفع بصره إلى وقال: يا قليل العقل ما للعب خلقنا. فقلت: أي بني فلماذا خلقنا؟ فقال: للعلم والعبادة. فقلت من أين لك ذلك بارك الله فيك؟ قال: من قول الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} قلت له: بني أراك حكيمًا فعظني وأوجز. فأنشأ يقول:
أرى الدنيا تجهز بانطلاق ** مشمرة على قدم وساق

فلا الدنيا بباقية لحي ** ولا حي على الدنيا بباق

كأن الموت والحدثان فيها ** إلى نفس الفتى فرسا سباق

فيا مغرور بالدنيا رويدًا ** ومنها خذ لنفسك بالوثاق

ثم رمق السماء بعينيه وأشار إليها بكفيه ودموعه تنحدر على خديه وهو يقول:
يا من إليه المبتهل ** يا من عليه المتكل

يا من إذا ما آمل ** يرجوه لم يخط الأمل

قال: فلما أتم كلامه خر مغشيًا عليه فرفعت رأسه إلى حجري ونفضت التراب عن وجهه بكمي فلما أفاق قلت: له أي بني ما نزل بك وأنت صبي صغير لم يكتب عليك ذنب قال إليك عني يا بهلول إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تقد إلا بالصغار وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم قال: فسألت عنه فقالوا ذاك من أولاد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قلت قد عجبت من أن تكون هذه الثمرة إلا من تلك الشجرة نفعنا الله به وبآبائه. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: {فإذا نفخ في الصور} فيه أن نفخة العناية الأزلية إذا نفخت في صور القلب قامت القيامة وانقطعت الأسباب فلا يلتفت إلى أحد من الأنساب، لا إلى أهل ولا إلى ولد لاشتغاله في طلب الحق واستغراقه في بحر المحبة، فلا يقع بينهم التساؤل عما تركوا من أسباب الدنيا ولا عن أحوال أهاليهم وأخدانهم وأوطانهم إذا فارقوها {لكل امريء منهم يومئذ} [عبس: 37] في طلب الحق {شأن يغنيه} [عبس: 37] عن طلب الغير {فأولئك الذينخسروا أنفسهم} لأنهم إذا خفت موازينهم عن طلب الحق وانقطع عليه الطريق بنوع من التعليقات ورجع القهقرى بطل استعداده في الطلب، فإن الإنسان كالبيضة المستعدة لقبول تصرف دجاجة الولاية فيه وخروج الفرخ فيها، فما لم تتصرف فيها الدجاجة يكون استعداده باقيًا، فإذا تصرفت الدجاجة يها وانقطع تصرفها عنها بإفساد البيضة فلا ينفعها التصرف بعد ذلك لفساد الاستعداد ولهذا قالت المشايخ: مرتد الطريقة شر من مرتد الشريعة. ولهذا قال: {في جهنم خالدون} وأجيبوا بقوله: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} لأنه ليس من سنتنا إصلاح الاستعداد بعد إفساده {إنه كان فريق من عبادي} هم العلماء بالله النصحاء لأجله {فاتخذتموهم سخريًا} فضربتم أنفسكم على سيوف هممهم العلية {حتى أنسوكم} بهممهم وبيد الرد {ذكرى وكنتم منهم تضحكون} لأن قلوبكم قد ماتت وكثرة الضحك تميت القلب {جزيتهم اليوم بما صبروا} فيه أن أهل السعادة كما ينتفعون بمعاملاتهم الصالحة مع الله ينتفعون بإنكار منكريهم، ومثله حال أهل الشقاء في الجانب الآخر وهو الاستضرار {لا برهان له به} أي لا يظهر عليه برهان العبادة وهو النور والضياء والبهاء والصفاء وإن تقرب إلى ذلك الذي عبده من دون الله بأنواع القربات. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: قيل {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون:1] أي وصلوا إلى المحل الأعلى والقربة والسعادة {الذين هُمْ في صَلاَتِهِمْ خاشعون} [المؤمنون: 2] ظاهرًا وباطنًا، والخشوع في الظاهر انتكاس الرأس والنظر إلى موضع السجود وإلى ما بين يديه وترك الالتفات والطمأنينة في الأركان ونحو ذلك، والخشوع في الباطن سيكون النفس عن الخواطر والهواجس الدنيوية بالكلية أو ترك الاسترسال معها وحضور القلب لمعاني القراءة والأذكار ومراقبة السر بترك الالتفات إلى المكونات واستغراق الروح في بحر المحبة، والخشوع شرط لصحة الصلاة عند بعض الخواص نقل الغزالي عن أبي طالب المكي عن بشر الحافي من لم يخشع فسدت صلاته وهو قول لبعض الفقاء وتفضيله في كتبهم، ولا خلاف في أنه لا ثواب في قول أو فعل من أقوال أو أفعال الصلاة أدى مع الغفلة؛ وماأقبح مصل يقول {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} [الفاتحة: 2] وهوغافل عن الرب جل شأنه متوجه بشراشره إلى الدرهم والدينار ثم يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وليس في قلبه وفكره غيرهما، ونحو هذا كثير، ومن هنا قال الحسن: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع.
وقد ذكروا أن الصلاة معراج المؤمن أفترى مثل صلاة هذا تصلح لذلك حاش لله تعالى من زعم ذلك فقد افترى {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3] قال بعضهم: اللغو كل ما يشغل عن الحق عز وجل.
وقال أبو عثمان: كل شيء فيه للنفس حظ فهو لغو، وقال أبو بكر بن طاهر: كل ما سوى الله تعالى فهو لغو {والذين هُمْ للزكواة فاعلون} هي تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5- 6] إشارة إلى استيلائهم على القوة الشهوية فلا يتجاوزون فيها ما حد لهم، وقيل: الإشارة فيه إلى حفظ الأسرار أي والذي هم ساترون لما يقبح كشفه من الأسرار عن الأغيار إلا على أقرانهم ومن ازدوج معهم أو على مريديهم الذين هم كالعبيد لهم {والذين هُمْ لاماناتهم}.
قال محمد بن الفضل: سائر جوارحهم {وَعَهْدِهِمْ} الميثاق الأزلي {راعون} [المؤمنون: 8] فهم حسنو الأفعال والأقوال والاعتقادات {وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} فيؤدونها بشرائطها ولا يفعلون فيها وبعدها ما يضيعها كارياء والعجب {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ} [المؤمنون: 12] قيل المخلوق من ذلك هو الهيكل المحسوس وأما الروح فهي مخلوقة من نور إلهي يعز على العقول إدراك حقيقته، وفي قوله سبحانه: {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا} [المؤمنون: 14] إشارة إلى نفخ تلك الروح المخلوقة من ذلك النور وهي الحقيقة الآدمية المرادة في قوله صلى الله عليه وسلم {خَلَقَ الله تعالى ءادَمَ على} أي على صفته سبحانه من كونه حيًا عالمًا مريدًا قادرًا إلى غير ذلك من الصفات {تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غافلين} [المؤمنون: 17] إشارة إلى مراتب النفس التي بعضها فوق بعض وكل مرتبة سفلى منها تحجب العليا أو إشارة إلى حجب الحواس الخمس الظاهرة وحاستي الوهم والخيال، وقيل غير ذلك {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء} قيل أي سماء العناية {مَاء} أي ماء الرحمة {بِقَدَرٍ} أي بمذار استعداد السالك {فَأَسْكَنَّاهُ في الأرض} [المؤمنون: 18] أي أرض وجوده {فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جنات مّن نَّخِيلٍ} أي نخيل المعارف {وأعناف} أي أعناب الكشوف، وقيل النخيل إشارة إلى علوم الشريعة والأعناب إشارة إلى علوم الطريقة {وأعناب لَّكُمْ فِيهَا فواكه كَثِيرَةٌ} هي ما كان منها زائدًا على الواجب {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 19] إشارة إلى ما كان واجبًا لا يتم قوام الشريعة والطريقة بدونه {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء} إشارة إلى النور الذي يشرق من طور القلب بواسطة ما حصل له من التجلي الإلهي.
{تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لّلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] أي تنبت بالجامع لهذين الوصفين وهو الاستعداد، والآكلين إشارة إلى المغدين بأطعمة المعارف {ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ السيئة} [المؤمنون: 96] فيه من الأمر بمكارم الأخلاق ما فيه {وَقُل رَّبّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الرحمين} [المؤمنون: 118] فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الاغترار بالأعمال وإرشاد إلى التشبث برحمة الملك المتعال، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ويغفر لنا ما ارتكبناه من مخالفته ويتفضل علينا بأعظم مما نؤمله من رحمته كرامة لنبيه الكريم وحبيبه الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله تعالى عليه وعلى له وصحبه وسلم وشرف وعظم وكرم. اهـ.